بعد تفكك اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في 25 ديسمبر/كانون أول عام 1991 أعلنت العديد من الدول إستقلالها في وسط اسيا والقوقاز. وكانت تركيا أول الدول التي اعترفت بالجمهوريات التركية المستقلة في تلك الأيام. مثل كازاخستان, طاجيكستان, أوزبكستان, آذربيجان وقيرغيزستان. اشتراك تركيا مع تلك الجمهوريات في اللغة والذاكرة والثقافة مهد لها الطريق لتقوية العلاقات الثتائية والإقليمية مع تلك الدول. تركيا ودول اسيا الوسطى تصرفن كدول متعددة لأمة واحدة, كما اتبعت تركيا في سياستها الخارجية بالمنطقة مفهوماً استباقياً متعدد الأوجه. وأصبحت المحافظة على العلاقات مع الدول الناطقة بالتركية هي رؤية تركيا الدائمة وقد اكتسبت هذه الرؤية أهمية كبيرة في السياسة الدولية في العشرين سنة الأخيرة.
كانت الأولوية الأهم لتركيا في التسعينات هي السعي من أجل اعتراف المجتمع الدولي بالجمهوريات التركية الشابة المستقلة حديثاً. بعد ذلك قامت تركيا بالعديد من المجهودات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من أجل أبناء جلدتها من شعوب الدول التي تأسست حديثاً في وسط أسيا. في البداية قدمت تركيا مساعدات عينية, ثم مشروعات طويلة الأجل الى أن تحولت مع الوقت الى جهود تعاونية تنموية. فظهرت الحاجة الى منظمة تقوم بتنسيق وتطبيق أولويات السياسة الخارجية والأنشطة التي ستتم في المنطقة, فتم تأسيس الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) عام 1992 لهذا الغرض. ومع ترسخ مفهوم السياسة الفاعلة في السياسة الخارجية التركية أصبحت (تيكا) أداة من أدوات تطبيق السياسة الخارجية التركية في العديد من الدول والمناطق وعلى رأسها الدول التي تشترك مع تركيا في القيم والثقافة.
ويمكن أن نوجز أهداف تيكا في تلك الفترة بأنها مساعدة الجمهوريات التركية في إنتاج بنيتها الإجتماعية بنفسها, وإنشاء هويتها الخاصة بشكل سليم, وتطوير الحقوق الثقافية والسياسية,وإتمام النقص في أمور البنية التحتية الفنية. ونفذت تيكا العديد من المشروعات في الفعاليات في مجالات التعليم, والصحة, والترميم, والزراعة, والتنمية, والمالية, والسياحة, والصناعة. وافتُتح أو مكتب برنامج تنسيق لتيكا في تركمانستان, ووصل هذا العدد في الفترات اللاحفة الى 6 مكاتب في منطقة أوراسيا. فوصلت يد الصداقة والأخوة والتعاون التركية الى الدول الشقيقة.
بمرور الزمن اختلفت ماهية المشروعات التي تنفذها تيكا في الجمهوريات التركية التي كانت آخذة في النمو والتطورآنذاك. فحتى عام 1995 كانت تيكا تقوم بتنفيذ مشروعاتها في الدول الشقيقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ومنذ ذلك الوقت بدأت تيكا تركز أكثر على المشروعات التعاونية في المجال التعليمي والثقافي. فنحن نعرف أن بداية أي تنمية لدولة ما مرتبط بتمتعها بموارد بشرية مؤهلة. فأي أمة تمتلك نظاماً تعليمياً جيداً وتتابع العلم والتكنولوجيا, يمكن تحقيق التنمية المستدامة بها. لهذا السبب قامت تركيا بتسريع أنشطتها التعليمية في الجمهوريات التركية بعد عام 1995. فقامت بإنشاء المدارس, والمكتبات, والمعامل. كما دعمت الجامعات بكل الوسائل الفنية والتقنية.
مع بداية العام 2000 بدأت مرحلة العولمة وشعر بتأثيرها العديد من الدول من الشرق الى الغرب. وبالتوازي مع التسارع في حركة التنمية في الدول الناطقة بالتركية في تلك الفترة, تحولت مشاريع تيكا بالمنطقة الى مشاريع لرفع الكفاءة المؤسساتية بتلك الدول. ولازالت المشروعات التي تنفذها تيكا وتركيا في الجمهوريات التركية متواصلة بكل الفخر النابع من اشتراك تلك الدول مع تركيا في الموروث التاريخي والثقافي.
في هذه الأيام زاد ثراء وقوة عدد من الجمهوريات التركية, وتحولت من دول تحتاج الى المساعدة الى دول تقدم المساعدات لغيرها. وتعمل تيكا من أجل تطوير المشروعات المشتركة, وتبادل الخبرات.
اعتباراً من بدايات الألفينات مر مفهوم السياسة الخارجية التركية بتغيرات مهمة كنتيجة لسعي تركيا لأن تصبح عنصراً فاعلاً في المنطقة والعالم. وفي ضوء تلك التغيرات وسَعت تيكا من نطاق منطقة مساعداتها.فوصل عدد مكاتب برامج التنسيق الخاصة بها من 12 في عام 2002 الى 25 مكتباً عام 2011, ثم ارتفع هذا العدد الى 33 بحلول عام 2012.
واليوم تقوم الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” بمواصلة أنشطتها عبر 62 مكتبا تنسيقا في 60 دولة شريكة في التنمية. ويوماً بعد يوم يزداد عدد الدول التي تساعدها تركيا بناءاً على مفهوم سياستها الخارجية الفاعلة والمعتمدة على المبادئ. وتهدف المساعدات التي تقدمها تركيا بواسطة تيكا الى الدول الشقيقة والصديقة الى تأسيس منطقة تنعم بالسلام والرخاء.
تقوم تيكا بتسيير آلية التعاون بين مؤسسات القطاع العام, والجامعات, ومؤسسات المجتمع المدني, والقطاع الخاص. وتقوم بجمع كل هذه العناصر حول القواسم المشتركة فيما بينها. كما تقوم بتسجيل المساعدات التنموية التي تقدمها تركيا.
رفعت تركيا من حجم مساعداتها التنموية في عام 2002 من 85 مليون دولار أمريكي الى 3 مليارات و913 مليون دولار في عام 2015 ومن ثم الى 8.120* مليار دولار في سنة 2017. وفي الوقت نفسه، فان تركيا هي الدولة التي تقدم أكبر قدر من المساعدات الإنسانية في العالم.
تواصل تيكا اليوم القيام بأنشطتها التعاونية التي تهدف الى تحقيق التنمية في حوالي 150 دولة مختلفة في 5 قارات حول العالم بما فيها الدول التي تتواجد فيها المكاتب التنسيقية للوكالة تيكا. وتقوم تركيا الآن بواسطة تيكا بتبادل المعلومات والخبرات مع العديد من الدول حول العالم من المحيط الهادي الى اسيا الوسطى، ومن افريقيا والشرق الأوسط الى دول البلقان، ومن القوقاس الى الأمريكا اللاتينية.
* 8.12 مليار دولار هو المبلغ الإجمالي للمساعدات الإنمائية الرسمية التي قدمتها بلادنا في عام 2017، وليس من قبل تيكا. وشكل حجم المساعدات التي قدمتها تيكا في عام 2017، 2.7٪ من المساعدات التي قدمتها تركيا.